منتديات العراق
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الأسئلة المتعلقة بالمهدي عليه السلام

اذهب الى الأسفل

الأسئلة المتعلقة بالمهدي عليه السلام Empty الأسئلة المتعلقة بالمهدي عليه السلام

مُساهمة من طرف {الجاسمي} الإثنين 28 سبتمبر - 22:35

كان المهدي المنتظر عليه الصلاة والسلام قد ولد في عام 255 هـ , وهو غائب عن أنظار الناس منذ ذلك الحين إلى اليوم, ويستمر إلى اليوم الموعود الذي يظهر فيه ليقيم العدالة الشاملة على الأرض, فما دوره الذي يمارسه خلال هذه الفترة ؟ وهل الغيبة تعني غياب الفعالية والدور ؟؟

للجواب نقول : إن غياب الهوية عن مدارك الناس لا يعني الغياب عن الوجود ولا غياب الدور والفاعلية , فعلى الرغم من أن الله تعالى مجده غيب الهوية (لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ) إلا انه (يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) وهو الوجود الصرف أزلاً وأبداً ويدير كل شؤون الكون من الذرة إلى المجرة وما كان أكبر من ذلك أو أصغر (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ..)[1] , وكلنا نعلم إن الملائكة الغائبون عن حواسنا يمارسون شتى أعمال الغيب التي تتصل بشؤون الناس, مثل الحياة والموت والآجال والأرزاق والوحي ( الإلهام) وتثبيت المؤمنين بل القتال معهم في المعارك أيضاً وينزلون بعقاب السماء على المستحقين كما يؤكد القرآن الكريم في آيات كثيرة .

فكما الله يدير جميع شؤون الكون وهو غائب عن مدارك الناس, وكما الملائكة ينفذون الكثير من الأعمال التي تتصل بالناس دون أن يكون لهم حضور ملموس , وكما الخضر عليه السلام ينفذ أمر الله في الأرض دون أن يعلم به الناس, كذلك القائم بأمر الله يدير شؤون الأرض وما عليها دون أن يطلع الناس على أعماله , فغيابه عن أبصار الناس لا يعني أنه غير موجود أو غائب الدور والفاعلية , بل هو موجود ويقوم بأمر الله في جميع شؤون الأرض التي تتصل بالسماء , وهو -كما برهنا من قبل بكثير من البراهين- من الضرورات الوجودية التي لا يمكن تصوّر عدمها, لأنه مظهر لفعل الله في الأرض , فالله فاعل وفعله يظهر بواسطة مخلوقاته على حسب مراتبهم الوجودية, وكما قلنا من قبل: إن الله تعالى مجده يحيي ويميت ولكنه لا يباشر ذلك بنفسه, بل بواسطة الآباء الذين ينجبون الأطفال ويدفعون بهم إلى الحياة , وبواسطة الملائكة الذي يقبضون أرواح الناس عند الموت , والله تعالى مجده يقتل أعداءه الكفار ويخزيهم ويشفي صدور المؤمنين الذين يتأذون منهم , ولكنه لا يباشر ذلك بنفسه بل بواسطة المؤمنين (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ)[2] والله تعالى مجده هو المعلم الأعظم (الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ*عَلَّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)[3]وهو يخرج الناس من الظلمات إلى النور, ولكنه لا يباشر ذلك بنفسه , بل بواسطة الأنبياء والوحي والكتب المنزلة, والله تعالى مجده هو الذي يسّجل أعمال الناس ويمحو ما يشاء من الغيب ويثبت, ولكنه لا يباشر ذلك بنفسه ,بل بواسطة كتاب الغيب والملائكة والكرام الكاتبين, والله تعالى مجده هو المدير المطلق الذي يتولى كل شؤون السماوات والأرض , وهو لا يباشر ذلك بنفسه بل جعل في كل أرض من الأرضين السبع[4] خليفة تكويني ( مدير) يتولى شؤون إدارتها بأمر من الله .

ومن خلال علمنا بالدور العظيم الذي أوكله الله للمهدي المنتظر بإقامة العدالة الشاملة على كوكب الأرض, وإيماننا بان الله (عَلِيمٌ حَكِيمٌ) لا يسلك العبث إلى ساحة قدسه من سبيل نستطيع القول : إن المهدي المنتظر عليه الصلاة والسلام الذي يتولى أمر العدالة الشاملة هو المدير العام للأرض وشؤونها , منذ ولادته المباركة وحتى اليوم الموعود , ولا يمكن أن يكون بلا دور فاعل في زمان غيبته , فجميع ما يجري في الأرض من أحداث إنما يقوم بها القائم بأمر الله ( المهدي) والملائكة الذين يعملون تحت أمره.

ومن خلال ما تقدم يظهر لنا ان أفعال الله الظاهرة في النشأة بواسطة مخلوقاته إنما تكون ذات مراتب متنوعة, فهناك أفعال بسيطة يقوم بها المؤمنون على حسب مواقعهم ودرجة إيمانهم, وهناك أعمال أبسط تقوم بها الكائنات الحية والجامدة , مثل الحشرات والرياح التي تنقل اللقاح إلى النبات , ومن خلال التناسل , فتكون سببا في انبثاق كائنات جديدة إلى الحياة , وهي ( الكائنات الحية والجامدة) تكون أيضاً السبب في موت الكثير من الكائنات , وذلك من خلال العواصف والأمطار الغزيرة والفيضانات والزلازل والبراكين ومن خلال افتراس الحيوانات لبعضها البعض ولدغاتها المميتة , و هي بهذا تكون جهة تنفيذية لأمر الله في النشأة أي مظهر لأفعال الله مثل( الحياة والموت ودورة الطاقة في الطبيعة) على حسب مراتبها .

والأفعال الراقية يقوم بها الأنبياء والأوصياء والأتقياء الصالحون الذين يخرجون الناس من الظلمات إلى النور , وهناك أفعال يتطلب تنفذيها العلم بالغيب يقوم بها الملائكة ورجال علّمهم الله من لدنه علماً( مثل آصف بن برخيا والخضر والمهدي عليهم السلام), مهمتهم الكتابة في الغيب وتنفيذ بعض الأعمال في الأرض .

ولما كانت جميع مراتب الأفعال الظاهرة والباطنة في النشأة مظاهر لأفعال الله تعالى مجده , فإنها جميعاً يجب ان تجمعها وحدة واحدة ( إدارة واحدة) وجودها في النشأة أمر ضروري, ومسوّغ الضرورة هو ان الله واحد أحد وجميع ما في الكون مراتب وجودية لهويته جل شأنه , فالوحدة الجامعة من الضرورات الوجودية التي لا يمكن تصور عدمها , وعلى هذا يجب أن يكون لهذه المراتب التي تظهر بها أفعال الله مرتبة جامعة نستطيع أن نطلق عليها تسمية مدير عام لشؤون مراتب الفعل في الأرض , وكلنا نعلم ان بسط العدالة الشاملة على الأرض من أهم وأخطر المهام على الإطلاق , وهي بلا شك تتطلب إمكانيات علمية وتنفيذية عظيمة جداً يتفرد بها القائم بأمر الله (المهدي المنتظر) عليه الصلاة والسلام , وعلى هذا الضوء فإن المهدي هو المرتبة الجامعة الضرورية في النشأة , وريثما يتحقق الفعل الأعظم ببسط العدالة الشاملة على الأرض , فإن جميع الأفعال التمهيدية التي تسبق ذلك تكون بعلم المهدي وتحت تصرّفه , فكما الكائن الحي لا يظهر بتمام كماله في النشأة دفعة واحدة, بل شيئاً فشيئاً وعلى حسب سنة النمو والتكامل , كذلك الفعل التام الأعظم (بسط العدالة الشاملة على الأرض) الذي يقوم به المهدي المنتظر لا يتحقق دفعة واحدة بل شيئاً فشيئاً وعلى حسب سنة النمو والتكامل, فالمهدي في الزمان السابق لظهوره يعمل ويمهّد للفعل الأعظم الذي صمم لتنفيذه, ولما كان هو القائم بأمر الله (الجهة التنفيذية) فإن الآيات القرآنية التي تتحدث عن الأفعال التمهيدية التي تسبق بسط العدالة الشاملة على الأرض إنما تتحدث عن المهدي عليه الصلاة والسلام , وفيما يلي نماذج من تلك الآيات .

(قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ*وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ*لِكُلِّ نَبَأٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ)[5]

(.. وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ)[6]

(سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)[7]

مصاديق هذه الآيات متحققة اليوم ونشهد مظاهرها يومياً بصورة مباشرة أو غير مباشرة , فقوله Sad يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ ) إشارة صريحة للكوارث الطبيعية مثل الأعاصير والأمطار الغزيرة والزلازل, والحروب التي يستخدم فيها القصف بالطائرات والصواريخ والقنابل الساقطة من فوق (مِنْ فَوْقِكُمْ ) , والألغام الأرضية والقنابل التي تتفجر من تحت الأرض (مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ) .

وقوله Sad أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ) إشارة واضحة إلى حالات الفرقة والاختلاف التي تعاني منها الأمة , وإلى الحروب التي يذيق فيها بعضهم بأس بعض , أما القارعة في قوله (تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ) فهي المصيبة أو الكارثة التي تصيب الناس بصورة مباشرة أو غير مباشرة وتشمل:مظاهر الحروب والانفجارات بأنواعها ,والزلازل والفيضانات والبراكين والأعاصير والأمطار المدمرة , وسقوط الطائرات واصطدام القاطرات والسيارات, والأمراض الفتاكة مثل الإيدز والسارس ونحو ذلك, وهذه المصائب ( القارعة) تصيب الناس بصورة مباشرة (تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا )أو غير مباشرة (تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دَارِهِمْ).

ولو تأملنا في تلك الحوادث الواقعة التي نشهدها كل يوم ودرسناها على ضوء سنن الله الجارية في النشأة , نجدها تنمو وتتكامل شيئاً فشيئاً باطراد واضح, فحوادث اليوم أكثر من حوادث الأمس وحوادث الأمس أكثر من حوادث الشهر الماضي أو السنة الماضية, إنها تنمو وتتكامل كما ينمو ويتكامل الكائن , مما يعني أن حوادث المستقبل اكثر واعظم , ولسوف يستمر هذا الحال (حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ ) و يظهر الحدث الأعظم الذي يستأصل كل كيانات الظلم والفساد بتمام كماله, فتطهر الأرض من كل مظاهر الشرك , وعندئذ يظهر الإسلام على الدين كله ويتم بسط العدالة الشاملة, وهكذا يظهر لنا بوضوح إن برنامج بسط العدالة الشاملة على الأرض إنما سلسلة طويلة من الحوادث تظهر شيئاً فشيئاً كما تظهر هوية الكائن الحي خلال مراحل النمو والتكامل والظهور التام لا يكون إلا في نهاية المطاف.

وبما أن المهدي المنتظر هو المصمم من قبل السماء لأداء هذه المهمة , فانه بلا شك هو المسؤول عن أداءها منذ البداية وحتى النهاية , فهذه الحوادث الممهدة لبسط العدالة الشاملة على الأرض إنما تدار من قبل الجهة التنفيذية لأمر الله المهدي المنتظر عليه الصلاة والسلام لأنها من فصول مهمة إظهار الدين وبسط العدالة المكلف بأدائها.

ولما كان إظهار الإسلام على الدين كله من ضمن برنامج بسط العدالة الشاملة المكلف بأدائها المهدي , فإن مظاهر الصحوة الإسلامية التي بدأنا نشهد انتشارها في الأرض بوضوح لا تحدث مصادفة, بل هي من الفصول التمهيدية المهمة التي يقوم بها المهدي شيئاً فشيئاً حتى يأتي اليوم الموعود ويظهر الإسلام على الدين كله ولو كره المشركون, وهذه الحقيقة يعرفها الكثير من المؤمنين الذين يتشرفون بلقاء كيانه المقدس عليه الصلاة والسلام .



خلاصة البحوث

والآن بعد أن انتهينا من الفصول الأساسية للكتاب و أجبنا على الكثير من الأسئلة المتعلقة بمسألة المهدي المنتظر بالقدر الذي ييسر فهم المقام الفريد الذي يتمتع به الكيان المقدس الذي تتجلى فيه هوية الله الوجودية بتمام كمالها , أصبح من الضروري استعراض النتائج الهامة التي توصلنا إليها في بحوث الكتاب بشكل خاطف , ومن ثم تلخيصها في نقاط.

لقد واجهنا منذ البدء في دراسة مسألة المهدي المنتظر على ضوء الأساليب والخطوات العلمية المتبعة في هذا الكتاب , أهم وأخطر سؤال على صعيد البحث العلمي وهو : ما هو السبيل أو الأساس العلمي الذي يفسر لنا مسألة المهدي المنتظر تفسيراً حاسماً يرقى بقناعتنا إلى درجة اليقين ؟

وكان الجواب عن السبيل الذي سلكناه في جميع فصول الكتاب هو: أن نستعين بالقوانين العامة الحاكمة في الكون ونفسر بها جميع المسائل التي تتصل بالمهدي, أما الأساس العلمي الحاسم فكان هوية الله ( الخلافة) وقانون النمو والتكامل الذي هو من أهم القوانين العامة التي تحكم جميع عناصر الكون دونما استثناء, والمشاهد الواقعية لكل ما حولنا تؤكد ذلك ثم عرضنا كل ذلك على القرآن الكريم والقوانين الكامنة في آياته البينّات لنرى مدى تطابقها مع الحق الذي انزله الله تعالى مجده فوجدناها تنسجم معها إلى حد التطابق , لأن الجهة التي خلقت قوانين الكون الطبيعية هي ذاتها التي أنزلت القرآن الكريم فكلاهما مصدره الله تعالى مجده , وكل ما يصدر عن الله الواحد الأحد متطابق بالضرورة .

وكما قلنا من قبل إن الشجرة لا تخلق دفعة واحدة تامة سوية , بل تبدأ من أبسط وحداتها وهي البذرة , ثم تنبت وتنمو وتتكامل شيئاً فشيئاً حتى يظهر كمال سمات هويتها الوجودية بكمالها التام في نهاية المطاف, وتنقل هويتها الوجودية إلى الجيل القادم عن طريق الثمار والبذور .

والإنسان –كما قلنا مرات- لا يخلق دفعة واحدة رجلاً تاماً سوياً أو امرأة تامة سوية , بل يبدأ من ابسط وحداته وهي الخلية المخصبة التي تنقسم وتتكاثر بشكل مطرد فتكون جنيناً نامياً , ثم يولد وهو في اشد حالات الفقر والضعف , ومع نمو وتكامل عالمه المادي ( جسده) ينمو ويتكامل عالمه المعنوي ( عقله) حتى يكون رجلاً تاماً سوياً أو امرأة تامة سوية , ينقل هويته الوجودية إلى الجيل القادم بواسطة النطفة وعن طريق التناسل , وهذا شأن كل حيوان.

وليس قانون النمو والتكامل يحكم الكائنات الحية فحسب , بل الكائنات التي تسمى (جامدة) أيضاً , فالكون الكبير( السماوات والأرض) لم تخلقا دفعة واحدة , بل خلقهما الله من ابسط الوحدات وهي المادة الأولى وفي ستة أيام, أي على ستة مراحل , كل مرحلة تمتد إلى ملايين السنين , وهذه المراحل الستة إنما مراحل نمو وتكامل تمر بها النشأة في سبيل بلوغ تمام كمالها في المرحلة السابعة ( الآخرة) وتظهر كل سمات هويتها الوجودية( التي هي مظهر لهوية الله) في نشأة ذات ديمومة وبقاء .

وليس قانون النمو والتكامل يقتصر على وحدات عالم الطبيعة فحسب بل يشمل وحدات عالم المعنى أيضاً , فكما ينمو ويتكامل عقل الإنسان مع نمو وتكامل عالمه المادي ( جسده) كذلك عقل النشأة ينمو ويتكامل مع نمو وتكامل النشأة مادياً , فالعائلة البشرية لم تبدأ بآدم وحواء من الجانب المادي التكويني فحسب, بل من الجانب المعنوي التشريعي أيضاً , وكما هو معلوم وثابت ان آدم عليه السلام كان أول خليفة وأول نبي على الأرض , وان نبوته كانت البذرة الأولى لشجرة الشرائع العملاقة التي اختتمت برسالة خاتم الأنبياء وأشرف المرسلين محمد صلى الله عليه وآله وسلم, وبالقرآن الكريم , فما بين آدم عليه السلام ورسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم سلسلة طويلة من الرسالات والأنبياء.

وبعبارة أخرى نقول: كما ينمو ويتكامل عقل الإنسان مع نمو وتكامل جسده , كذلك عقل النشأة الذي هو روح من الله ينمو ويتكامل شيئاً فشيئاً حتى يظهر العقل الكامل التام ( المهدي المنتظر) الذي تتجلى في شخصه كل سمات هوية الله الوجودية, فقانون النمو والتكامل إنما قانون عام شامل يحكم جميع عناصر الكون دونما استثناء .

وكما يربي الآباء والتربيون الأطفال والتلاميذ عن طريق الإرشاد والتعليم الذي ينمو ويتكامل ويشتد مع تقدم العمر والمراحل, كذلك يربي الله خليفته في الأرض (الإنسان ) عن طريق بعث الأنبياء وتنزيل الكتب, وكلنا نعلم أن المراحل الدراسية التي يخوضها الإنسان خلال عمره العلمي تبدأ من الصف الأول في المرحلة الابتدائية التي يدرس فيها التلميذ كتباً تتضمن معلومات في غاية البساطة, وكلما أنتقل إلى صف متقدم كلما درس كتباً تتضمن معلومات أكثر كمالاً , حتى ينهي المرحلة الابتدائية , ثم ينتقل إلى المرحلة المتوسطة والإعدادية التي يدرس فيها كتباً جديدة على أيدي أساتذة كل باختصاصه , حتى يدخل الجامعة , وفي كل سنة جامعية يدرس كتبا أكثر كمالاً من السابقة وعلى أيدي أساتذة متخصصون حتى ينهي المرحلة الجامعية الأولى, ومن بعد ذلك مراحل متقدمة حتى يحصل على درجة الدكتوراه , فيصير أستاذاً مختصاً ومرجعاً علمياً للجامعة والمجتمع والأمة .

وكما في المراحل الدراسية تلك التي تبدأ من الصف الأول الابتدائي وبمعلومات في غاية البساطة وتنتهي بدرجة الدكتوراه, كذلك مراحل كمال عقل النشأة بدأت بآدم عليه السلام الذي كان هو وزجه كما التلميذين في الصف الأول الابتدائي, وختمت بسيد المرسلين محمد صلى الله عليه وآله وسلم ذو المقام المحمود الذي يماثل درجة الدكتوراه مع مرتبة الشرف , فكلنا نعلم ان آدم وزوجه كان تكليفها الشرعي في غاية البساطة وهو : إن الشطيان لكم عدو فلا تطيعوه, ولا تقربا هذه الشجرة .

(وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ )[8]

(فَقُلْنَا يا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنْ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى)[9]

هذه كل رسالة آدم عليه السلام التي تمثل المرحلة الدراسية الأولى للإنسان, أما رسالة رسول الله ( محمد) صلى الله عليه وآله وسلم فهي المرحلة النهائية وذروة الكمال , ولا نجد آية نصف بها منزلة الرسول الأعظم والرسالة الخاتمة كما هذه :

(وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَؤُلاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)[10]

ومعنى الآية باختصار هو: إن كل أمة لها قائد -مرجع -معيار للكمال, هو نبيها المبعوث فيها , أما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, فهو القائد والمرجع العام لجميع هؤلاء ( الأنبياء وأممهم) وهو المعيار الأعلى للكمال , وان القرآن الكريم -الذي لم يترك شأناً من شؤون الدنيا والآخرة إلا وأشار إليه - هو الكتاب ( المنهج) النهائي التام للكمال الذي يتضمن تبياناً لكل شيء- كل الحقيقة- وهدى ورحمة وبشرى للمؤمنين .

وكما من المحال أن ينتقل التلميذ فوراً من الصف الأول الابتدائي إلى درجة الدكتوراه , بل يجب عليه أن يمر بالمراحل الدراسية التي تنمو وتتكامل شيئاً فشيئاً على حسب نموه العقلي المصاحب لنموه الجسدي حتى يصل إلى الدكتوراه, كذلك تربية السماء لخليفة الله في الأرض (الإنسان), إنما كانت سلسلة طويلة من النمو والتكامل من خلال الأنبياء والكتب المنزلة التي بدأت بـ (لا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ ) وختمت بــ (تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) فما بين آدم ومحمد عليها الصلاة والسلام أجيال كثيرة جداً من الأنبياء ومن المراحل الدراسية التي خاضها الإنسان في سبيل كماله.

فكما في كل مرحلة دراسية يدرس فيها التلميذ كتاباً جديداً على يدي أستاذ متخصص في مادته حتى ينتهي إلى أعلى درجة علمية بحصوله على الدكتوراه والأستاذية فيكون مرجعاً علمياً للجامعة أو المجتمع أو الأمة, كذلك الله (الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ*عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)[11] يعلّم الناس الكتاب والحكمة عن طريق بعث الأنبياء وتنزيل الكتب على مراحل تتناسب ودرجة كمال النشأة ليخرجهم من ظلمات النقص والجهل إلى نور العلم والكمال .

وهذه النقطة التي أوضحناها بالأمثلة إنما تمهيداً لبيان حقيقة كبرى محكومة بقانون عام شامل وهي:

إن هذا الحال من الرعاية والتربية الذي بدأ منذ ولادة الإنسان ( آدم عليه السلام ) لا يمكن أن ينتهي بموت المعلم العظيم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, بل يستمر حتى نهاية المطاف ويتحقق وعد الله ويرث الأرض عباد الله الصالحون,لأنه ببساطة محكوم بقانون عام شامل يحكم جميع عناصر الكون دونما استثناء في كل زمان ومكان وليس لفترة ولفئة محدودة ثم يتعطل, فكما العقل يجب أن يلازم كيان الإنسان منذ ولادته وحتى موته , كذلك النشأة لا يمكن أن تخلو من حجة ( خليفة الله) هو عقلها المؤتمن على الشريعة ونموذج للروح- العقل المطلق في الأرض , فطالما هناك حياة وبشر على الأرض هناك عقل (نموذج –خليفة) يمثل الله في الأرض, فكما في كل خلية من خلايا جسد الإنسان يوجد روح متصل بالروح العام للإنسان يمدها بالحياة والحركة حتى نهاية حياته, كذلك في كل أرض من الأرضين السبع يوجد خليفة لله يتصل بالعقل المطلق ( الله) يمد الأرض بالعقل واسباب الحياة حتى نهاية الحياة على الأرض.

ولما كانت هناك مرحلة مشرقة في آخر الزمان يتحقق فيها وعد الله ويظهر فيها الإسلام على الدين كله وتنبسط العدالة الشاملة على الأرض , فإن النشأة لم تمت بعد بل هي تنبض بالحياة وهناك نمو وتكامل مستمر حتى تبلغ تلك الدرجة الكبرى من الكمال وتظهر الهوية بتمام كمالها في نهاية المطاف.

ولما كانت النشأة تنبض بالحياة , فإنها من الضروري تتوفر على روح-عقل- تظهر درجة كماله على حسب نمو وتكامل النشأة , تماما كما ينمو ويتكامل عقل الإنسان, فالعقل التام الكامل يجب أن يكون موجوداً في النشأة وعدم وجوده يعني بالضرورة موت النشأة , و لقد بات مؤكداً إن العقل التام الذي يقود كيان النشأة إلى كمالها بإظهار الإسلام على الدين كله من خلال نشر العلوم العالية وبسط العدالة الشاملة على كوكب الأرض هو المهدي المنتظر الذي تتجلى في شخصه المقدس هوية الله تعالى مجده بتمام كمالها.
{الجاسمي}
{الجاسمي}
مدير عام المنتدى
مدير عام المنتدى

ذكر عدد المساهمات : 34
نقاط : 248
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 22/09/2009
العمر : 30
الموقع : https://ali6.ahlamontada.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى